امتدح الله سبحانه وتعالى نفسه بصفة عظيمة وهي علم الغيب والشهادة وهذة الصفة لايمكن ان يتصف بها أي مخلوق وعلم الغيب المقصود به علم المغيبات مما لايعلمه إلا الله ولايمكن للبشر معرفته إلا بعد وقوعه أما علم الشهادة فهو علم الحاضر والواقع أمام العين ومن هذا اخذت الشهود فماهي الحكمة من امتداح الله سبحانه وتعالى لنفسه بعلم الشهادة ؟ فهذا الأمر علمه عند الله ولكن يمكن القول والعلم عند الله إن المقصود بعلم الشهادة هو العلم والإحاطة بكل ما يقع في هذا الكون الفسيح لحظة وقوعه وعلمه قبل وقوعه يكون من علم الغيب والخاص به تعالى ففي هذا الكون تقع أمور لايعرفها الإنسان إلا بعد وقوعها بفترة طويلة ربما تمتد إلى ملايين السنين ولنأخذمثلاً مايحدث على الشمس التي هي اقرب نجم لنا وأرضنا تدور حولهافلا نعلم مايحدث عليها إلا بعد ثمانية دقائق هي فترة وصول الضوء إلينا من الشمس فهذا الضوء بالنسبة للشمس مضى عليه فترة ثمان دقائق ونحن نراه الآن ونعتبره شهادة وهو في الحقيقة ماض وكذلك ما يحدث على الأرض يمكننا القول عليه كما قلنا على مايحدث على الشمس فلو حدث أمراً على الأرض وامكن رؤيته على الشمس فسوف لايرى قبل مرور الوقت نفسه ويكون بالنسبة لمن على الشمس _فرضاً _يكون له ماض وكذلك بعض النجوم ربما اطلقت ضوءاً عند انفجارها وتلاشيها ولم يصلنا إلا بعد مرور ملايين السنين فنراه الآن ونعتبره حاضر ووليد اللحظة وهو في الحقيقة ماض مرت عليه تلك السنين فهل مانراه شهادة وربما كان ذلك الضوء قبل الإنفجار ولكن قبل وصوله لنا انفجر ذلك النجم وتلاشى فهل هذا شهادة ؟ فهذا تفسير علمي إن صواب فهو من الله وإن كان غير ذلك نستغفر الله وسوف نستعرض الايات التي ورد فيها ذكر الغيب والشهادة قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ
وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ
قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ
الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:73) (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ
إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا
تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ
نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ
وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ) (التوبة:94) (وَقُلِ اعْمَلُوا
فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105) (عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)
(الرعد:9) (عَالِمِ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ) (المؤمنون:92) (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (السجدة:6)
(قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ
تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا
كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (الزمر:46) (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ
الرَّحِيمُ) (الحشر:22) (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ
الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ
مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ) (الجمعة:8) (عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (التغابن:18)
|
ك
/ قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد:2) (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (فاطر:41) ذكر بعض العلماء أن الضمير في قوله تعالى (بغير عمد ترونها)يعود لأقرب مذكور وهو العمد أي رفع السماوات بغير عمد يراها المكلفين المخاطبين بالقرآن فيكون غير المرئي هو العمد وليس السماوات بمعنى أن السماوات مرفوعة بعمد ولكن هذه العمد لاترى وفسروا العمد بأنها الجاذبية الأرضية فهي تسير في خطوط مستقيمةكأنها أعمدة ممتدة بين السماء والأرض وتجعل الأرض تسير في فلك ومدار محدد لايتغير بمجرد مرور أجرام سماوية أخرى قريباً من الأرض والله اعلم |
التصعّّّّد إلى السماء |
/قال تعالى (فَمَنْ
يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ
صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ
يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً
حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي
السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ
الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125) في هذه الآية الكريمة من كتاب الله العظيم اعجاز ودلائل علمية عظيمة اتضحت للعيان وبصورة واضحة في هذا العصر الذي اقل ما يوصف به بأنه عصر العلم والفضاءويمكن تلخيص هذه الدلائل في مايلي | 1| دلت هذه الآية العظيمة على أمكانية صعود الأنسان إلى السماء والسماء تطلق على كل ماعلا وارتفع وفي هذا الزمان استطاع الأنسان ان يصعد إلى السماء سواء بالطائرات أو بالبالونات أو بالصواريخ الفضائية وكذلك صعد إلى أعلى بتسلق قمم الجبال الشاهقة والقرآن يستمد التشبيه من الكون ويربط الشعور بالحس وحيث أن حال المشبه هي من الأمور المعنوية التي تثبت في الذهن بتثبيتها بصورة محسوسة وحيث أن التشبيه لاتكمل أركانه ولايكون وجه الشبه في المشبه به أقوى منه في المشبه إلا بحمل النص على ظاهره من قصد التصعد في السماء على الحقيقة ومعلوم أن الفاظ القرآن الكريم في كل المشاهد تتميز بدقة اختيارها ومطابقتها للمعنى لذلك فالألفاظ في هذا المشهد أيضاً تجمع بين دقة الدلالة ووضوح العبارةخاصة وأنه لاتوجد قرينة في النص تصرف دلالة اللفظ عن معناه الظاهر لذلك يثبت أن في الآية الكريمة دلالة واضحة على إمكانية صعود الأنسان إلى أجواء الفضاء وتعتبر هذه ألإشارة إخباراً عن حقيقة وقعت ونبوءة تحققت في هذا الزمان 2/ ذكرت الآية الكريمة أن الضيق محله الصدر وفي ذلك إشارة إلى أن كل محتويات الصدر من القلب والأوعية الدموية وأعضاء التنفس والقفص الصدري ومكوناته من ضلوع وعضلات والحجاب الحاجز تشارك كلها في أحداث هذا الضيق وحيث ثبت يقيناً أن الجهاز التنفسي والجهاز الدوري يتشاركان مشاركة أساسية في تبادل الغازات خارج وداخل الجسم وأن الصعود إلى طبقات الجو العليا يؤدي لأنقباض الأوعيةm الرئوية الدقيقة وهذا يؤدي إلى ارتفاع الضغط داخل الأوعية الأكبر فيؤدي ذلك تسرب السوائل من الدم إلى أنسجة الرئتين حيث تضغط تلك السوائل على مجاري التنفس فيحدث الضيق الشديد فيما يعرف بالوذمة الرئوية الحادة وفي التعبير القرآني الدقيق الذي حدد مكان الضيق الذي يعاني منه الأنسان في الأرتفاعات العالية بأنه في عموم الصدر دلالات واعجاز 3/ يفهم من الآية الكريمة أن الضيق ضيق متدرج ويستمر في الزيادة حتى يصل الذروة وليس ضيقاً فجائياً متواصل والحرج أشد الضيق أو أضيق الضيقوقد قسمّ العلماء الأرتفاعات حسب البعد عن سطح البحر إلى ثلاثة اقسام أ - الأرتفاع العالي من 8 إلى 14 ألف قدم ب - الأرتفاع العالى جداً من 14 إلى 18 ألف قدم ج - الأرتفاع الأقصى فوق 18 ألف قدم ويشعر الصاعد في أجواء من ضيق متدرج في الصدر يتمثل في صعوبة التنفس واضطراب القلب والدورة الدموية نتيجة لهبوط تركيز الأكسجين في الدم والذي تزداد شدته مع درجات الأرتفاع المذكورة أعلاه 4 / في الصعود المتدرج يحدث في كل مرحلة من مراحله تأقلم من جسم الصاعد إلى أعلى فيحث مع ذلك التأقلم تكيّف يجعل الأنسان لايشعر بتأثير كبير في ضيق صدره إذا كان صعوده متراخي إلى ان يصل إلى درجة من الضيق لايمكن معها التأقلم والتكيف بعدها يحصل ضيق شديد وانغلاق وموت محقق أما الذي يصعد صعود مفاجيء ومتواصل فلاتتمكن ادوات التأقلم من العمل ويحصل الضيق بعد ساعات ويمكن تعريف الحرج علمياً بأنه المستوى الذي يقل فيه الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية إلى المستوى الذي لايسمح فيه بانتقال الأكسجين من الحويصلات الهوائية إلى الدم في الأرتفاع المباشر المتواصل وقدرت المراجع الطبية أن أقل مستوى للضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية والذي تبقى معه الحياة بالكاد هو 40مم /زئبق وتختلف المسافة التي يتحقق فيها هذا المستوى من شخص عادي ‘لى شخص متأقلم وقد سجلت المراجع الطبية هذا المستوى للشخص العادي عند 20 ألف قدم فوق سطح البحر بينما سجلته للشخص المتأقلم عند مسافة 30 ألف قدم إن ورود الإشارة إلى هذه الحقائق العلمية المتمثلة في إمكانية الصعود للسماء وتحديد ذكر الصدر بأنه محل الضيق والضيق المتدرج الذي يعاني منه الصاعد للسماء وذكر الحرج الذي يصل فيه الضيق إلى ذروته مما نراه في هذا المشهد القرآني البليغ لهو أعجاز علمي واضح لأنه لم يكن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أحداً يتخيلها فضلاً عن أن يكشفها إن هذه الحقائق لم تكن معلومة في زمن الوحي ولابعد ذلك بقرون ولم تعرف هذه الحقائق وتكشف إلا في خلال القرون الثلاثة الأخيرة وكانت البداية حينما اكتشف العالم بليز باسكال عام 1648م أن ضغط الهواء كلما ارتفعنا عن مستوى سطح الأرض قل وقد تجلت هذه الحقائق في القرن العشرين عندما ارتبطت ابحاث وظائف اعضاء الجسم وتأثيرات صعود الأنسان في طبقات الجو العليا عليها من واقع تسلق الجبال الشاهقة وركوب الطائرات الشراعية والعمودية والنفاثة حيث امكن ذلك بعد توفر وسائل البحث والرصد ونشير هنا إلى أن بول بيرتهو أول طبيب يقوم بدراسات موسعة عن طب الطيران وتأثير انخفاض الضغط الجوي على وظائف جسم الأنسان وقد نشر عام 1887م كتاب اسماه الضغط الجوي وأما قبل ذلكفقد كانت تلك المعلومات غير متوفرة قطعاً فمن اخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق منذ مايزيد على اربعة عشر قرناًإنهوحي الله الذي خلق الكون والأنسان ويعلم سنن الخلق إن تجلي هذه الحقائق في هذاالزمان لهو من وعد الله لنا بأظهار أنباء القرآن الكريم في الزمن المستقبل قال تعالى/ (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (صّ: 88_87) من مجلة الإعجاز العلمي بتصرف العدد العاشر لعام1422هـ |